recent
أخبار ساخنة

السياسة الرشيدة لممالك النحل

الصفحة الرئيسية
 
كنت وصديق لي نشاهد برنامجا وثائقيا يعرض حياة ممالك النحل، القائمة على التنظيم المحكم والعقلاني بالرغم من كونها مملكة حشرات صغيرة، لدرجة تم اعتباره المثال الأنشط والأذكى في عالم الحشرات التابع لمملكة الحيوان، 
كان صديقي يشاهد بتمعن، ليستفتح كلامه بسخرية قد تبدو ٱعتباطية ظاهريا لكنها تحمل بين طياتها الكثير، حيث قال : 
" مملكة صغيرة في حجمها، عظيمة في إنتاجها، ودقتها وروعتها، بينما المجتمعات البشرية رغم ذكاءها و قوتها الفكرية لا تزال خامدة لا تحرك ساكنا نحو التقدم ." 

نعم إنه حكم قاس جدا، لكنها الحقيقة التي لا غبار عليها، ثم ٱستطرد قائلا : 
" هل من الصعب أن تحذو المجتمعات الإنسانية حذو هذه الحشرات و تنهج نفس النهج لترتقي بشعوبها ؟ " 

بداية لم أعر كبير ٱهتمام لما طرحه صديقي، و كأن ما جاء به مجرد تعجيز لا فائدة ولا طائل يرجى منه، لكن بنظرة منصفة للموضوع، فهو على حق وأنا أؤيده في طرحه، مملكة النحل مثال حيّ على المجتمعات التعاونية القائمة على مبدأ التكاتف والتنظيم المحكم، وكلها تخضع لسلطة حشرة واحدة، وهي ملكة النحل .

جوهر التنظيم

تعلمنا أن المجتمع قائم ومبني على علاقات قانونية دائمة ومرسومة إلى الأبد، وأن الفرد يستطيع ضمن هذا الإطار القارّ ، أن يسمو أو ينحطّ في طريق الخير أو طريق الشر .  
وهذا سبب سباتنا الطويل، لهذا السبب قال العربي للإنجليزي في كتاب كوستلر : " نؤمن بالله لا بالإشتراكية، هذه تهتم بالجماعة، والمسلم لا يعرف إلا الفرد ." 

و كما قال صديقي ألا يمكن أن نخلق مجتمعا بشريا قائما على مبدأ التكاتف والتنظيم المحكم، على غرار مملكة النحل؟

  لا سيما وأن النظام الهرمي المتبع _والمقصود هنا النظام الإداري _ يتشابه إلى حد كبير جدا وأنظمة إدارة الدول والممالك البشرية، إلا أن ممالك النحل تعتمد على مبدأ التعاون الجماعي والعمل المشترك، وهذا الرأي قد توصل إليه العلماء من خلال العديد من الدراسات التي رصدت نمط حياة حشرات النحل . 

اِتباع سياسة مملكة النحل، اقتداء وهمي أم تمني؟

التشابه كبير حقا فقد توصل العلماء إلى أن مملكة النحل تتبع الشكل الهرمي في بناءها، حيث تبدأ من قمة الهرم، بإناث النحل أو ما يطلق عليهم بملكات النحل، ثم ينحدر الهرم بعد ذلك بالنحل الذكر، ثم تتشكل قاعدة هرم مملكة النحل من النحلات الشغالات، وتتشكل منها الطبقة العاملة الكادحة، وهي ذات الطبقة التي تشكل الطبقة السفلى من الهرم في الممالك البشرية أو الإنسانية، ولكن التشابه هنا بين المملكتين لا يرتقي ولا يصل حد التطابق بأي حال، لأن الدراسات العلمية أكدت وأثبتت بأن مملكة النحل أكثر ٱستقامة و ٱنتظاما و عدلا من ممالك الإنسان، عدا عن العمل الجماعي وروح التعاون التي يتحلى بها أبناء الخلية الواحدة . 

هذا ما أقوله دائما، العمل الجماعي مثمر، فلا عجب إن رأينا هذه المجتمعات على هذا المستوى من الإنحدار و الرجعية، مجتمع إنساني يرى نفسه عجوزا مترهلا مُنحني الظهر لكثرة ما يحمل من مواثيق أثقلت كاهله، ولا يرغب في طرح حمولاته لينتصب شابا بل صبيّا محررا من كل عقال. 

وعليه يجب أن ندرك أن الإتفاق أساس الوحدة، وهذه الأخيرة مفتاح التقدم والرخاء، ولكن الإتفاق غير موجود اليوم، ولن يتحقق في القريب، فالمجتمع البشري لا يعرف نفسه كما تعرف ممالك النحل نفسها، والمعرفة تأتي من خلال معايشة المجتمع وليس مجرد دراسة سطحية، بل تتضمن إمكانية التعرف على المجتمع عن طريق معرفة قيمه وحدوده، معاييره، وجماعاته ، وأصحاب السلطات فيه، والمشكلات والحاجات وكذا موارده البشرية والمادية المتاحة .
المشاركة وروح التعاون من قبل القيادات الموجودة بالمجتمع، حيث تتشارك مع المنظمات الإجتماعية في دراسة المجتمع و تحديد مشكلاته، وهذا طبعا لا يتأتى إلا من خلال ٱعتماد مبادئ وقيم كالتي تعتمدها مملكة النحل، الشفافية و الاستقامة، والإتزان و كذا المرونة، وهو ما تتميز به ممالك النحل المشهود لها بالكد والعمل الجاد والإخلاص .. 

بناءً على ما سبق فإنه من أجل النهوض بالمجتمعات البشرية فكريا، ثقافيا، ٱقتصاديا، وٱجتماعيا وجب العمل على إشراك المنظمات الاِجتماعية وكذا قيادات المجتمع إذا كنا نرغب في ٱستغلال موارده المتاحة لأقصى حد ممكن .
مع أنني على يقين تام من أن الإقتداء بسياسة ممالك النحل ليس بالأمر الهين بالنسبة لنا كبشر، إذ تعتبر هذه العملية من المسؤوليات الكبيرة التي تقع على عاتق المسؤولين التنمويين داخل وخارج المجتمع ..
جملة تختلط بين التمني و التنبؤ ، كانت رداً على سؤال صديقي .
author-img
مداد ميديا

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent