ليطرح السؤال : هل سيعمل وباء كورونا على تغيير ملامح الدول؟
كثير من الخبراء والمفكرين ناقشوا الموضوع من جوانب متعددة، مع كثير من المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، وخصصت عدة نقاشات في دورات عدة، خلال فترة انتشار الوباء، حول التضامن والتكافل الدولي لمواجهة هذه الجائحة، وتم التأكيد خلالها على إلزامية التدخل الدولي السريع، والمبني على التعاون الجدي، والهدف دائما هو التصدي لوباء كوفيد19.
كوفيد 19 الوباء الشرس الذي استنفر جهود المنتظم الدولي
لقد عاش العالم خلال العامين الماضيين أصعب فتراته، فقد كان مهددا بوضعية حرجة قد تعصف بكل الجهود التي قام بها المنتظم الدولي، منذ بداية الألفية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الفقر، في العديد من دول العالم.
الغريب في الأمر أنه رغم تلك الجهود المبذولة لا تزال خريطة العالم تضم مناطق جغرافية يمكن اعتبارها تحت خط الفقر، ومما لا شك فيه، أن هذا الوباء رغم الجهود المبذولة، فقد أدى إلى تفاقم الوضع، بل وأحدث تغييرات جذرية، في العلاقات الدولية، من خلال ما تعلمه كل بلد على مستوى تدبير سلسلة الآثار التي خلفها الوباء بالنسبة للقطاعات الأساسية والتي تشمل الصحة والاِقتصاد والأمن...
وهذا ما سعت إلى تحقيقه منظمة الصحة العالمية، خلال الفترة الماضية، حيث لعبت دور البطولة في توجيه بعض المؤسسات العمومية للعديد من دول العالم، عبر المتابعة وتشجيع التعاون الدولي من خلال توفير العلاجات اللازمة، وسبل الوقاية لحماية المواطنين ...
أزمات عالمية لم تغير سياسات الدول بل ضاعفت ركضها نحو الهيمنة
اجتماعيا أو على المستوى الاقتصادي، فإن الكتف كما كان متوقعا، قد مال بسخاء باتجاه البنك الدولي ومنظمة الأغذية العالمية، وصندوق النقد الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، بهدف مكافحة الآثار الوخيمة التي خلفها الوباء في العديد من دول العالم.
إلا أنه هناك حقيقة لا يجب أن يغفل عنها المنتظم الدولي، وهي أن العالم قد شهد على مدى عصور، حروبا قوية، ومآسي وجوائح شبيهة كالموت الأسود الذي أصاب الصين وانتشر مثل النار في الهشيم بالعالم، وأودى بحياة الملايين من المواطنين، عدا عن أزمات اقتصادية متتالية سنوات 1929/1973/1997/2008
كلها أزمات تصدعت لها جدران الدول، بل وأحدثت شروخا قوية زعزعت أركان النظام الدولي دون ان يستفيد منها ويحدث التغيير.
وهذا الأخير لا يمكن أن يحدث بالتوالي المطرد، الا إذا انهار كيان الدولة بالكامل، بما معناه أن وباء كورونا لم يغير شيئا في السياسات الدولية، لأنه يعتبر جائحة كباقي الأزمات التي فتكت بالعالم سابقا ولم تغير فيه شيئا يذكر، ذلك أن الدول متأصلة في الأنانية وحب الذات، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتضامن مع دولة أخرى، وإن تم الاِتفاق فإن نسبة خرقه مرتفعة ومتوقعة.
هذا تماما ما شهدناه في تصرفات العالم الغربي، عندما لامسنا مأساة الشعب الإيطالي الذي عاش الأزمة وحيدا منبوذا من طرف دول الإتحاد، رغم استعطافه المعلن، أما الصين بؤرة الوباء فقد أخفت العديد من المعطيات حول الوباء، وكان بإمكانها التصدي له بالإعلام المسبق قبل أن يسبق السيف العذل، لتنقذ الملايين من المواطنين الذين راحوا ضحية الوباء، ولكنها فضلت التكتم، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد احتكرت سوق الكمامات، واستحوذت على كميات هائلة من المعدات الصحية حصرا لها، وحرمت الكثير من الدول التي تشترك معها في المعاناة.
بالنسبة لاسبانيا وتركيا فالصراع كان قويا أيهما الأحق بشحنات الكمامات القادمة من الصين، عدا عن الصراع القائم بين الدول حول ملكية اللقاح، ولن ننسى الولايات المتحدة الأمريكية التي امتدت اياديها لتقديم رشوة بمليار دولار قصد الحصول على اللقاح المخترع من طرف مختبرات ألمانية، إلا أن البلد النازي رفض العرض.
كل هذه الصراعات توضح الأنانية الطاغية على شعارات المنتظم الدولي، فلا تعاون ولا تكافل تشهده دول العالم، التي يسيطر عليها حب التملك والسطوة والسيطرة، وكل ما يهمها هو حدودها الجغرافية، وهذا يتضح جليا في _الحرب الروسية الأكرانية_ ولن تهتم لما يحدث خارج تلك الحدود.
وبهذا يكون الجواب شافيا، فلا تغيير سيطال بنية الدول، ما دامت أن أسسها قائمة على الأنانية إلى حد الشوفينية.