بدأت بجنرال في الستينيات وتكررت في الحكومات الاشتراكية.
هكذا وثق الخبراء الأزمة التي عصفت بالعلاقات المغربية الفرنسية منذ استقلال المغرب، حتى ما يسمى بالأزمة الصامتة، والتي تتجلى حاليًا على أنها "حرب تأشيرة" وإرسال الإليزيه رسائل مشفرة، مع إرث دبلوماسي وسياسي، تاريخ لا يمكن للبلدين تجاوزه.
تصاعد الصراع والتوتر بين الرباط وباريس
يستذكر الأستاذ الجامعي والباحث في العلاقات الدولية مهدي منشد، من دون أن يذهب بعيدا، الصراعات والتوترات التي ميزت العلاقات المغربية الفرنسية في الثمانينيات، خاصة بعد انتصار فرانسوا ميتران وصعود الاشتراكيين.
من خلال تقارير عن حالة الحقوق، والمشاكل التي عانى منها الناس، وخاصة المغرب، بما يسمى بالجمر والرصاص، بالإضافة إلى الأحداث التي وقعت في مدينة البيضاء في يونيو 1981 واعتقال الزعيم الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد وبعض من مرافقيه، وقد أدى ذلك إلى بعض التوتر. لكن منشد قال إن النزاعات ليست دائما ناجمة عن أوضاع حقوق الإنسان، مضيفا أن ذلك الوثيقة تستخدم فقط للضغط على المغرب وكسب مكاسب اقتصادية وسياسية جديدة.
وتابع باحث العلاقات الدولية قائلا إن صراعًا آخر ترجمه كتاب "أصدقاء الملك"، سابقة في تاريخ المنشورات الفرنسية لأنها أساءت إلى الملك الراحل الحسن الثاني والمغرب.
ليست هذه السحابة القاتمة فقط، هي التي تخيم على العلاقة بين باريس والرباط، ولكن كانت هناك أيضًا بعض الاختراقات في عهد الرئيسين جاك شيراك ونيكولاس ساركوزي، رغم أن الحكومة في عهد شيراك كانت اشتراكية وشهدت المرحلة نوعًا من التوتر.
وقال الباحث نفسه إن المغرب تربطه بفرنسا علاقات ودية وعدائية، مشيرًا إلى أنه كلما تعرضت المصالح الاقتصادية الفرنسية في المغرب للتهديد، استخدمت فرنسا الوثائق للضغط على المملكة، وهو نفس الشيء بالنسبة للمغرب،
والتي نشهدها حاليا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون.
وأضاف أن ثقل فرنسا في المغرب بدا وكأنه آخذ في الانحدار، حيث يسعى المغرب جاهدًا لتنويع شركائه اتجاه الصين وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن نوع سوق السلاح والاتفاقيات العسكرية التي تخشى فرنسا أن تفقد مكانتها في المنطقة المغاربية. بشكل عام وخاصة المغرب.
وتابع منشد: "أدت مواقف إسبانيا وألمانيا بشأن الصحراء، وتجاوز فرنسا لمواقفهما، إلى تراجع مكانة فرنسا كشريك تجاري رقم واحد، لكن إسبانيا تحتل هذا المركز الآن، وكذلك ألمانيا، ومع العلاقة الاستراتيجية للولايات المتحدة"، وأيضا إسرائيل.
من ناحية أخرى، أبرز الباحث نفسه أن فرنسا تعتقد أن المغرب يضايق ويتنافس مع تغلغلها التاريخي في إفريقيا ويسهل دخول العديد من الحلفاء الذين تربطه بهم علاقات تجارية للاستثمار في القارة السمراء. التي يراها الفرنسيون كسهم يشير إليها.
أحداث وصراعات
يتحدث الباحث في العلاقات الدولية حسن بلوان عن الأزمات الدبلوماسية الأولى بعد المغرب واستقلال فرنسا في الستينيات، والتي تعود إلى عهد الجنرال ديغول عام 1960، عندما أجرى تجربة أسلحة نووية في الصحراء الشرقية. وأثار الاحتلال الفرنسي للجزائر غضب الملك محمد الخامس في ذلك الحين، وحشدت الأمم المتحدة دعم الدول الأفريقية لإدانة هذه التجارب.
اندلعت الأزمة الدبلوماسية مرة أخرى خلال ثورة التحرير الجزائرية، بدعم رسمي وشعبي مغربي لمقاومة الجزائر للاحتلال الفرنسي، وردت فرنسا بكلمات قاسية كادت تقضي على العلاقات المغربية الفرنسية.
يصف بلوان الأزمة بين البلدين خلال حكم ميتران بأنها أصعب أزمة سياسية، حيث تحول موقف فرنسا من دعم قضايا الوحدة الترابية إلى موقف غامض، حيث كانت زوجة ميتران معارضة لإضافة المغرب لها.
تقارب مع الجزائر ومصالحها خارج الأفكار الانفصالية، وأضاف أن نفس الموقف كررته حكومة فرانسوا هولاند، الجناح الأيسر.
وبينما حاول الأخير تهدئة الأجواء وتخفيف التوترات مع المغرب من خلال الاتصال بالملك محمد السادس، كانت زيارة الشرطة الفرنسية للسفارة المغربية رسالة غير ودية لهولاند/فرنسا لحليف تقليدي واستراتيجي مثل المغرب.
وعن الوضع الحالي، أوضح بلوان أن علاقة المغرب مع ماكرون الفرنسي تمر بأزمة صامتة، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت وصلت إلى نقطة القطيعة.
وأضاف أن الحكومة اليسارية الفرنسية تتجه دائما نحو الجزائر وتحاول إرسال رسالة إلى المغرب، دون الوصول إلى قطيعة نهائية مع المغرب، لذا فإن المغرب يميل أكثر إلى حكومة يمينية تهتم بمخاوفها وتدافع عن مصالحها.
وخلص المتحدث نفسه إلى أنه من المستحيل تخيل قطيعة كاملة في علاقات المغرب مع فرنسا، حيث تمكنت فرنسا من الوصول إلى نخب مهمة داخل المغرب، كما طور المغرب شبكة علاقات متميزة مع مجموعة من السياسيين الفرنسيين واكتسب ضغوطًا.
الجماعات تدافع عن مصالحها في فرنسا وداخل الاتحاد الأوروبي.
زيارة ماكرون
قال مصطفى توسا، المحلل الإعلامي والسياسي المقيم في فرنسا، إن الانقسام بين البلدين أصبح واضحًا عندما طلبت فرنسا من المملكة ترحيل أطفالها من المهاجرين غير الشرعيين، مشيرًا إلى أن المفاوضات بشأن السفارة وصلت إلى طريق مسدود مع المغرب. رفض عودة المهاجرين.
من ناحية أخرى، أوضح توسا أنه كانت هناك خلافات صامتة في العلاقات بين الرباط وباريس، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء المغربية، مضيفًا أن المملكة حاولت إقناع السلطات الفرنسية باتباع نفس المسار وتسجيل اعتراف رسمي.
الصحراء مغربية لكن فرنسا تحفظت على هذا، فربما يبرر هذا رسالة الخارجية المغربية، ودعا إلى الخروج من المنطقة الرمادية واتخاذ موقف واضح من الصحراء المغربية.
ومضى المتحدث نفسه يقول إن التحالف الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل الذي أغضب فرنسا بعد اعتراف الولايات المتحدة بصحراء المغرب كان خطوة استراتيجية في مصلحة المغرب، لكنه لم يستأذن السلطات الفرنسية التي ترى ذلك. كمنافسة من شأنها أن تحاول الحد من نفوذها وقوتها في المنطقة.
وتابع المحلل السياسي نفسه أن أزمة أخرى طفت على السطح بسبب قضية بيغاسوس، وبعدها اتهم المغرب بالتجسس على الطبقة السياسية الفرنسية، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال توسا إنه على الرغم من أن البلاد لم تتخذ موقفا ضد المغرب بشأن الوثيقة، إلا أن لها تداعيات خفية على العلاقات بين الرباط وباريس.
وأضاف أن فرنسا كانت تحاول ممارسة نوع من التأثير على المغرب من خلال موقفها، سواء كان ذاهبًا إلى الجزائر أو تونس، لكنها في الوقت نفسه كانت تعلم أنها تحت الحصار وليس لديها خيار سوى الاعتراف بالمغرب، والصحراء الكبرى.
وتابع: "هناك رهان كبير على الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، لأنها في حال حدوثها ستحدث تطورا جديدا للدبلوماسية الفرنسية ردا على الأزمة المغاربية الأولى والصحراء.
الحوار بين البلدين، والذي بموجبه قد تحصل الدبلوماسية المغربية على اعتراف رسمي بالصحراء المغربية ". هذه الوثيقة مطوية، خاصة وأن الموقف الفرنسي مهم ومؤثر بين مواقف العديد من الدول الأوروبية.