هل يمكن أن تكون اللقطة التي قبل فيها حكيم زياش كتف الملك، ووشحه هذا الأخير بوسام ملكي من درجة ضابط، هي آخر لقطات المسرحية التراجيدية التي كان هذا اللاعب بطلها لما يزيد عن الأربع سنوات؟
كلما تقدم المنتخب المغربي في تحقيق نتائج مبهرة في فعاليات المونديال بقطر، كلما تم سحب الستار جزئيا على أحد صانعي هذا التميز، وهو اللاعب المغربي حكيم زياش… كانت إزاحة هذا الستار على شكل فصول متعاقبة كأننا نعيش أحداث مسرحية تراجيدية، بطلها هذا الشاب المنحدر من أصول ريفية مغربية، ومحمولا على جسد نحيف لا يغري بالاهتمام الكروي، لولا هذه الإنجازات المبهرة التي يرسمها على رقعة الملعب…
قبل ستة أشهر فقط، كانت الصحف والجرائد المغربية تكيل له الكثير من الشتيمة، حين أعلن على حسابه في الانستغرام أنه لن يعود إلى المنتخب الوطني، رغم تصريحات رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، ورغم تصريح المدرب البوسني الذي كان مكلفا بإدارة المنتخب قبل وليد الركراكي…
ذهب البعض الى اعتباره متكبراً، وآخرون اعتبروا قراره استعلاءً وأنه ما من أحد فوق الوطن، لكن يبدو أن جرح حكيم زياش كان عميقا، وأن المدرب السابق لم يترك له مساحة للعودة إلى الوراء، ففضل الانزواء بعيدا عن المنتخب، لكن بحسرة وألم بالغيين كما عبر عن ذلك في تدويناته…
بعد ذهاب المدرب البوسني ومعاودة الاتصال بحكيم زياش من طرف الطاقم التقني للفريق الوطني، وبإلحاح من والدته، قبل الرجوع إلى المنتخب…
قبل ذلك وجِرابُ نفسيته مملوء بطعنات الصحافة من جهة وتصريحات المسؤولين عن الفريق، ومنهم رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، فوزي القجع، من جهة أخرى، مما دفعه إلى أن يبرمج عودته على إيقاع اثبات الذات، والثأر الإيجابي ضد خطأ الانتقاص منه، وترسيخا لقيمته كلاعب كبير..
هناك من كتب عن حق، أن الوطن فوق حكيم زياش، لكن هذا الأخير، بمساره الكروي في المونديال، كتب أن الوطن وزياش ليسا في منافسة التعالي، من فوق الآخر، بل هما كينونة واحدة يرتقي الأول بالثاني، وينهض الوطن بسواعد وأقدام أبطاله…
استمر زياش لاعبا أساسيًا في المقابلات السبع التي لعبها المنتخب الوطني، وساهم في تألق هذا الأخير إلى نصف النهائي وأثبت للذين ظلموه حبه لوطنه أولا وجدارته بالمنتخب بل وقيادته في مقابلات عديدة، وواصل تألقه إلى حين وصوله بين أيدي الملك، وهي المرتبة الأعلى المأمولة في بنية اجتماعية ودولتية مثلما هي بنية هذا البلد…
لا ندري طبيعة الكلمات التي تبادلها الملك مع هذا الملحمي، لكنني أتوقع أنها تحمل معاني الاعتراف والاعتذار عما بدر، باسم الدولة كيفما كان الحال، ضد اللاعب حكيم زياش…
هذا المسار يطرح علينا سؤالا جوهريا: كم من حكيم زياش في نسيج المجتمع ممن تم ظلمهم بشكل مجاني وهم أكفاء؟ وإلى أي حد تطرح القطاعات الأخرى، غير الرياضية، وغير كرة القدم، إمكانية اثباث الذات والثأر للكرامة المداسة من طرف مسؤلين يضعون مصالحهم العليا والشخصية فوق مصلحة الوطن؟
نفاجأ بين الحين والآخر بقرارات ضد كفاءات وطنية في مجال من المجالات، ثم نعاين بعدها انكفاءً على الذات وعزلة تامة وتغييب مطلق من ساحة الفعل العمومي، وقد نسمع عن هجرتها، دون أن تعطاها فرصة الدفاع عن نفسها واثبات جدارتها ووطنيتها…
ملحمة حكيم زياش يجب أن تدفعنا إلى النظر في كل هذا، وإرساء آليات لتقييم كل القرارات الصادرة ضد هؤلاء صونا لكرامتهم أولا، وصيانة لمصالح البلد ثانيا وأخيراً…