recent
أخبار ساخنة

اتفاقية تطبيع بين مهرجاني الرباط والداخلة وإسرائيل: موقف الفنانين العرب وحقيقة الانعكاسات على الثقافة

الصفحة الرئيسية

 


صورة مرسومة يدويًا بأسلوب القلم الرصاص تظهر مجموعة متنوعة من الأشخاص يقفون جنبًا إلى جنب في مشهد غير رسمي. يرتدي الأفراد أزياء مختلفة، بما في ذلك بعض الملابس التقليدية، مما يبرز التنوع الثقافي والتواصل الودي بين المجموعة. خلفهم خلفية بسيطة تحتوي على بعض الزخارف البسيطة، مما يضيف إلى الطابع الاحترافي والودي للمشهد.


تصدرت الساحة الثقافية العربية مؤخرًا جدلاً واسعًا إثر بيان أصدره الاتحاد الدولي لمهرجانات السينما العربية والاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين، والذي يدين بشدة اتفاقية تعاون جديدة بين مهرجان الرباط لسينما المؤلف ومهرجان الداخلة السينمائي مع ممثلين من وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية. وفيما وصف البيان الاتفاقية بـ"التطبيعية"، جاءت دعوته واضحة لكافة الأطراف الثقافية إلى مقاطعة هذا التعاون والتصدي للخطوات المشابهة.

خلفية الاتفاقية وسبب الضجة حولها

بحسب وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP)، عُقد الاجتماع بين ممثلين عن لجنة الفيلم بالداخلة ومهرجان الرباط لسينما المؤلف مع وفد إسرائيلي خلال فعاليات الدورة الـ76 لمهرجان "كان" السينمائي الدولي، وتضمن النقاش سبل التعاون في مجالات الإنتاج السينمائي والتبادل الثقافي. وذكرت اللجنة، في بيانها، أن الاتفاقية تهدف إلى فتح المجال أمام التبادل السينمائي، بما يشمل تبادل الخبرات والزيارات، الإنتاج المشترك، وتعزيز التكوين السينمائي.

جاءت هذه الخطوة بعد عقود من الدعوات لرفض التطبيع في مجالات الفن والثقافة، مما أثار حفيظة قطاعات واسعة من الفنانين والمثقفين، خاصة في ظل الوضع السياسي الراهن بين إسرائيل وفلسطين. يرى النقاد أن هذا التعاون يفتح المجال للتطبيع الثقافي مع كيان يعتبره كثيرون مخالفًا للقيم العربية، ما يؤدي إلى خلق واقع جديد قد يساهم في تشويه الثقافة العربية وتغييب صوت الفلسطينيين عن القضايا العادلة.

ردود فعل الاتحاد الدولي لمهرجانات السينما العربية والفنانين الفلسطينيين

في بيانهم المشترك، شدد الاتحادان على أن مثل هذه الاتفاقيات تؤثر سلبًا على الموقف العربي تجاه التطبيع الثقافي. وأكدوا على ضرورة احترام مبدأ مقاطعة إسرائيل ثقافيًا وفنيًا باعتباره موقفًا يعبر عن التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني ومواقفه الرافضة للتطبيع. وطالبوا في البيان كلا من مهرجان الرباط لسينما المؤلف ومهرجان الداخلة السينمائي بإلغاء هذه الاتفاقية، محذرين من زيارة الوفد الإسرائيلي المزمع إلى المغرب للإعداد لمشاريع سينمائية مشتركة.

كما وجه الاتحادان دعوة لكافة الجهات الثقافية والفنية، من مهرجانات وشركات الإنتاج السينمائي والفنانين والمنظمات الأهلية المناهضة للتطبيع، للانضمام إلى حملة مقاطعة هذه المهرجانات إلى أن تصدر تصريحًا بإلغاء الاتفاقية بشكل رسمي. ويأتي هذا التحرك في إطار حماية الموقف الثقافي الذي يعتبر رفض التطبيع جزءًا لا يتجزأ من دعمه للقضية الفلسطينية.

التطبيع الثقافي: بين التعاون السينمائي وخطر الاندماج السياسي

يثير هذا التعاون جدلاً حول حدود التطبيع الثقافي وإمكانية الفصل بين الفن والسياسة. يرى بعض المؤيدين أن التعاون الفني يمكن أن يكون أداة لتعزيز التفاهم وتبادل الثقافات، بينما يعتبره معارضوه اختراقًا للهوية الثقافية العربية قد يؤدي لتشويه مواقف الشعوب تجاه قضاياها الجوهرية. فالفن يعتبر في جوهره وسيلة للتعبير عن قيم الشعوب، ولا ينبغي له أن يصبح أداة لتحسين صورة نظام يمارس سياسات مجحفة بحق الفلسطينيين.

هذا الجدل يقود إلى تساؤل أساسي: هل يمكن للفن أن يلعب دورًا في تحسين التفاهم بين الشعوب، أم أن مثل هذه الاتفاقيات ليست سوى وسيلة للتطبيع مع كيان يواجه مقاومة شعبية واسعة؟ يعتبر كثير من النقاد أن السينما الإسرائيلية، على وجه الخصوص، تستخدم كوسيلة لتحسين صورة إسرائيل عالميًا، وأنها تسعى لتعزيز التواصل مع الدول العربية بغرض تغيير القيم والآراء حول القضية الفلسطينية.

دعوة لمقاطعة مهرجانات الرباط والداخلة السينمائية

أعرب الاتحاد الدولي لمهرجانات السينما العربية والاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين عن موقف واضح يطالب بمقاطعة مهرجان الرباط لسينما المؤلف ومهرجان الداخلة السينمائي. واعتبر الاتحادان أن هذه الخطوة تهدد المشهد السينمائي العربي برمته وتدفع باتجاه تحريف الوعي العربي.

أوضح الاتحادان أن على المؤسسات الثقافية في العالم العربي الالتزام بمبدأ رفض التطبيع كأحد أسس التضامن الثقافي مع القضية الفلسطينية، وأن مقاطعة هذه الاتفاقيات تعتبر خطوة مهمة للحفاظ على الثقافة الوطنية ومنع تزايد التعاون مع مؤسسات إسرائيلية. وأكد الاتحادان أن مثل هذه الاتفاقيات تفتح الباب أمام محاولات التطبيع الثقافي الذي قد يُستخدم لتحسين صورة إسرائيل أمام الشعوب العربية وتجميل سياساتها.

السينما كأداة مقاومة أم وسيلة للتطبيع؟

لطالما كانت السينما وسيلة لنقل قضايا الشعوب، حيث تلعب دورًا بارزًا في عكس تطلعاتهم وآمالهم وأيضًا مظالمهم. بالنسبة للفلسطينيين، فإن رفض التعاون السينمائي مع إسرائيل يمثل إحدى أدوات المقاومة الثقافية، حيث يعتبرون أن التطبيع الثقافي قد يؤدي إلى طمس معاناتهم ونقل صورة غير واقعية عن حياتهم تحت الاحتلال. وفي ضوء ذلك، يطالب النقاد بضرورة توجيه الإنتاج الفني نحو دعم القضايا العادلة بدلاً من أن يتحول إلى أداة لتجميل واقع غير منصف.

كما أن تطبيع السينما مع إسرائيل يمكن أن يساهم في تشويه الوعي الثقافي العربي وإعادة صياغة المفاهيم المتعلقة بالقضية الفلسطينية. إن الاتفاقيات الثقافية، خاصة في المجال السينمائي، ليست مجرد تعاون عابر، بل هي تمهد لعلاقات قد تؤثر على قيم وتوجهات الجمهور العربي بمرور الوقت.

الحفاظ على الهوية الثقافية كخط دفاع أول

إن الحفاظ على الهوية الثقافية يُعتبر من أولويات الشعوب العربية في مواجهة محاولات التطبيع الثقافي، وهو ما يؤكد عليه النقاد والمثقفون. يمثل رفض التطبيع، لدى غالبية المثقفين والفنانين العرب، موقفًا أخلاقيًا وقيميًا يعبر عن التضامن مع الفلسطينيين، ويعمل على حماية الهوية الثقافية من التشويه والانصهار في ممارسات تضر بالمواقف العامة تجاه القضايا الوطنية.

في الختام: دور المثقفين في مقاومة التطبيع الثقافي

يُبرز هذا الجدال الدور الهام الذي يجب أن يلعبه المثقفون والفنانون العرب في الحفاظ على مواقفهم تجاه التطبيع، وفي تقديم أعمال فنية تُعبر بصدق عن قضايا شعوبهم. من الضروري أن يُدرك الفنان العربي أن الفن لا يجب أن يكون معزولًا عن القيم والأخلاق التي تهم المجتمع. وبينما قد تختلف الآراء حول قيمة التطبيع في المجال السينمائي، يبقى على المثقفين العرب مسؤولية كبيرة في حماية قيمهم الثقافية وتوجيه الفن لدعم قضاياهم العادلة.

author-img
ليلى بوزير

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent