"الرواية: ذاكرة مفتوحة على المستقبل" محمد برادة
صدرت مؤخرًا للروائي والكاتب المغربي عبد العزيز العبدي رواية جديدة بعنوان "حريق الدم"، وهي عمل أدبي يعالج قضايا إنسانية عميقة من خلال مرآة التاريخ. تتناول الرواية موضوعات مثل الخيانة، والزواج المختلط، فضلاً عن جرائم قوات الـ"كوم" (Goum) المغربية التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، وما تركته من آثار مؤلمة في الذاكرة الجماعية.
تمتاز هذه الرواية بنكهة خاصة تختلف عن الأعمال السابقة للكاتب، حيث تقدم رؤية عالمية لقضية محلية. تدور أحداث الرواية حول جرح تاريخي مؤلم، مع تحقيب دقيق للفترة الزمنية التي شهدت تلك الأحداث. يتميز السرد بترابط الأحداث والشخصيات مع المكان والذاكرة، دون أن يقع الكاتب في فخ السرد الممل أو الخط الواحد، مما منح الرواية سحرًا خاصًا يتجاوز الجرح التاريخي ليصل إلى مستوى الإبداع الأدبي.
تتناول الرواية قضايا متعددة مثل المعرفة، التاريخ، الحب، والذاكرة، حيث تتداخل الحقيقة مع الخيال بشكل مثير. قبل الشروع في قراءة الرواية، يقع القارئ في غواية العنوان القوي "حريق الدم"، الذي يحمل في طياته معاني الألم، التجدد، التطهير، والحياة التي تنبع من رماد الحريق. العنوان يعكس استعارة لمرحلة تحولية في التاريخ والجغرافيا، وكذلك في الإنسان والهوية.
تضم الرواية معلومات تاريخية دقيقة، بالإضافة إلى إشارات علمية وطبية، مما يضفي عليها طابعًا واقعيًا. نقل الكاتب الحكاية بكل مرارتها إلى نص حي، من خلال تداعيات الشخصيات النفسية، حيث أفلت الأحداث من قبضة الكاتب وسلمها بأمانة إلى شخوصها. هذا الأسلوب الأدبي المميز هو ما يجذب جمهورًا واسعًا من القراء الذين يتابعون أعمال الكاتب بحب وشغف.
تدور أحداث الرواية في بلدة كاسينو الإيطالية، المشهورة بديرها Montecassino، والتي شهدت أحداثًا دامية خلال الحرب العالمية الثانية. استلهم الكاتب أحداث الرواية من وقائع حقيقية عرفتها المدينة في تلك الفترة المؤلمة. تحكي الرواية قصة طبيب يكتشف بالصدفة والعلم أنه أحد ضحايا تلك الأحداث، حيث شاركت مجموعة من الـ"كوم" (وهي تسمية أطلقها الفرنسيون على المقاتلين المغاربة) في عمليات دفاعية عن الجيش الفرنسي خلال الحملة ضد إيطاليا. ارتكبت بعض عناصر هذه المجموعة جرائم اغتصاب جماعي وقتل، استهدفت في الغالب النساء والفتيات، وعددًا قليلًا من الرجال.
تحاول الرواية فتح باب إبداعي لملامسة تلك الذاكرة المؤلمة، والتي لخصها الإيطاليون في كلمة "marocchinate"، التي تعني "أفعال المغاربة" أو "المغتصب المغربي". هذه الكلمة تعكس الذكريات السيئة التي تركها بعض المغاربة لدى النساء الإيطاليات اللواتي عانين من الاغتصاب، وأنجبن أطفالًا دون آباء.
قام الكاتب بالترويج لروايته عبر صفحته على فيسبوك، حيث نشر مقطعًا من العمل، كما اعتمد على التوزيع الذاتي بالتعاون مع شركة محترفة للتوصيل.